السبت، يونيو 23، 2012

رحلة الموت و إرهاصات مؤلمة لمراقب جوي



هل تُسطّر الكلمات في كنف الأحزان و الآلآم 

ان كان الحال كذلك؟؟ فمن أين ابرح لتسطير هذه الذكرى المؤلمة.. وبما أستهل الذكر

وأنا ءإنّ و أتألم كلما تذكرت ذلك الموقف في كل مرة أستحضره بيني وبين نفسي..

هل كان بالإمكان تقديم يد العون أفضل مما كان ؟؟

وهل اختصرت.. بالتوقيت، بالقرار المتخذ؟؟ ياترى هل أصبت أم قتلت؟؟ يا إلهي ماذا فعلت ياهذا

هل قد اجرمت؟؟

هل أنا قاتل.. هل أنا مجرم..؟؟

أسئلة استحضرها في كل مرّه اخلوا فيها بنفسي 

مستذكراً ماحدث معي يوماً ما في فجر ذلك الشتاء..

البرج يلفح بالبرد وانا ألتحف داخل سترتي..

معدلاً جلستي بذلك الكرسي المتحرّك و ألتفت عن يميني و عن شمالي..

لا شئ سوى الهدوء في البرج..

حلّ الفجر و رحل..

أرى الشمس تتهاذى للبزوغ شيئاً فشيئاً..

كل شئ كان بعيداً عن المنغصات وما يعكر الصفو والمزاج..

نداءات قائدي الطائرات تعلوا مع صحوة الطيور و زقزقة العصافير..

الكل مستعد للمغادرة والرحيل..

نداءات الطائرات: "جدة قراوند" يقصد هنا -مراقب الحركة الارضي بمطار جدة- نحن الرحلة xxx مستعدون للتشغيل و الرحيل

رحلوا واحداً تلوا الآخر..

إلى ان آتت تلك اللحظة..

قائد الطائرة: "جدة قراوند" هذه الرحلة xxx نطلب التصريح للسير بالممرات الارضية ومن ثم المغادرة والإقلاع..

هنا وكالعادة نختصر لهم المسافات، و نمهّد لهم الممرات لأقرب الطرقات المؤدية إلى المدرج لإقلاع تلك الطائرات..

ولكن هذه المرة وفي منتصف الطريق اختلفت النبرات و تعالت الصيحات من داخل المقصورة..

الحدث كما أصفه..

الطيار: مستغيثاً "جدة قراوند" هذه الرحلة xxx، لدينا احد الركاب يحتضر بين حياةٍ وموت و نطلب العودة من حيث اتينا..

ويكمل القائد: نطلب المساعدة، الطبيب، سيارة الاسعاف، الفريق الطبي، لإنقاذ هذه النفس

اخذ الاذن بالرجوع و اوقفت جميع الجنبات والحركة من اجله علّه يصل بأقصى سرعه ممكنة لموقفه

ابلغت قسم العمليات بالمستوصف الطبي للمطار.. 

الافادة: الآن ساننطلق و بأسرع حال للطائرة..

الطائرة تعود و تعود للموقف عبر الممرات، وهنا نطق الكابتن متمتماً بعض العبارات قال فيها: لكل أجلٍ كتاب والمصاب من حُرِم الثواب ..

توقفت الاصوات و كذلك الطائرات..

أصبت بلجام.. النداءات، الطائرات "جدة قراوند" هل تسمعني نداءات وطلبات وما زلت لا اسمع أيٌ من تلك الاصوات..

تهاذات العبرات واخذت النفس تلومُ مرنّمةً بالحسرات والدمع يسيل قطراتٍ و قطرات..

في تلك اللحظة توقف كل شئ في نفسي لا أرى لا أسمع لا أتكلم..

تنحيت قليلاً بعيداً عن ذلك المكان تاركاً سمّاعتي من خلفي..

ليأتي احدهم يكمل مع باقي الطائرات تسيير تصاريح الرحلات والسير بالممرات..

غادرت المكان و انا ابكي..

هل كان بالإمكان أفضل مما كان؟؟

هواجس، كوابيس، أحلام تراودني في كل مكان..

مرّ اليوم الاول، الثاني، الثالث، الرابع والنفس لا تقوى للعودة والتحكم من جديد..

قررت الخلوة و الراحة من اجواء العمل بعيداً عن كل ذكرى تربطني بذلك المكان..

منذ ذلك الحين والأكُفُّ ترفع مترحمةً و داعيةً لمن قضى نحبه و علت نفسه للسماء بداخل تلك الطائرة تحت إمرة سيطرتي..

فلكل إجلٍ كتاب والمصاب من حُرِم الثواب بتلك الكلمات نطق الكابتن معلناً رحيل نفساً داخل كابينة إحدى الطائرات..

بقلم: عبدالله بن سلمان
من مذكرات شتاء ٢٠١٠

الثلاثاء، يونيو 19، 2012

الحركة الجوية والطائرات وعزائها فيك ياصاحب السمو

    

   الأجواء والطائرات و عزائها فيك ياصاحب السمو..

عمّ الحزن أرجاء البلاد على فقد وليّ عهدها و أحد ركائز امنها و استقرارها منذ نشئتها..

نايف بن عبدالعزيز رحمة الله عليه و تغمّده بواسع فضله ورحمته..
مظاهر الحزن و الآسى تجتاح كل مواطن..


 وأولهم سيدي خادم الحرمين الشريفين كان الله بعونك و ربط المولى على قلبك..
    وألهمك الصبر و السلون على ما أهمّك و أحزنك..
   فعزائنا لك ولأنفسنا و لأسرة الفقيد ولكل مواطن على فقدنا هذا الرمز





فيما سبق من اليومين الماضيين استنفرت الدولة بجميع اجهزتها و أثبت جنود هذا الوطن..
من رجالات الحركة والمراقبة الجوية تفانيهم و وقفتهم لوطنهم في أشد محنه و أحزانه..

الكل حضر و الجميع مستنفرون، الطائرات والرحلات من كل حدبٍ و صوب..
الرؤوساء، الوزراء، المسؤولون، كبار الشخصيات، المعزّون، المعتمرون، السياح، المواطنون..

تكالبت الظروف و أشتدت الأزمات على هؤلاء الجنود و ما زادتهم إلا ثباتاً و رباطة جأش وتفاني..
أستقبلوا اضعاف ما يستقبلونه في عز الفترات والمواسم التي تشتد فيها حركة الطائرات والمسافرين..

كأزمنة الحج والعشر الأواخر من شهر رمضان الفضيل..
تجاوز السيل الزبى من الطائرات، و امتلأت جميع ردهات ومواقف المطار و توقفت الحركة مرات ومرات..

و أستقبلوا جثمان فقيد الوطن و رمز أمنه الأول وكل من أتى قبله و بعده من معزّون..
الرجال، النساء، الشيوخ، الولدان، الكبار والصغار..

أثبت المراقبون الجويون ومن يقف خلفهم و جميع العاملون في ثنايا الطيران..
و جنبات كلاً من مطار الملك عبدالعزيز و مطار الطائف الإقليمي..

انهم رجال مواقف، رجال المهمات الصعبة..
تعاملوا مع بعض المنغصات التي حدثت وتسببت في شلّ الحركة الجوية تماماً..

بسبب مشاكل تقنية حدثت لبعض الطائرات..
ومع ذلك اجتهدوا وساهموا في الإسراع و تقديم كل ما يسهم في انسيابية وتقليل التأخير..



لكل طائرة معلّقة في الاجواء للهبوط او عالقة في الأرض مستعدة للإقلاع..
ليثبتوا وقفتهم و إخلاصهم إتجاه وطنهم..

فكلنا ذلك المواطن الذي قال عنه المرحوم رحمة الله عليه..
المواطن هو الرجل الأول لأمن و استقرار هذا الوطن..

اليوم أضيف لمذكراتي و صفحات دفاتري أحداث و قصص..
أحملها معي إلى ابنائي و الأجيال القادمة من جنود المراقبة الجوية..

مما رأيته وعملت عليه خلال اليومين الماضيين من تكدس و كثافة جوية للطائرات..
مهما أصفها لك عزيزي القارئ فلن يعيها إلا من تجرّع ألم المصيبة و مرارة الحركة الجوية معاً..

شكراً للجميع فرداً فردا..
وحفظ الله مليكنا و ولي عهده وأعوانهم لعزّ الإسلام و لصلاح البلاد والعباد..
وكفانا والمسلمين شر والأزمات و الآفات التي تقسم ظهر الأمة..

عبدالله بن سلمان
١٩/٦/٢٠١٢